في عوالم المقامرة، حيث يتراقص الحظ على إيقاع الصدفة، ولدَت استراتيجيةٌ لجأت إلى قانون المضاعفة: المارتينجال. لأعين المغامرين، تبدو هذه الطريقة كخريطة سحرية تقودهم بخطى ثابتة صوب الكنز، ولكن وراء هذا الوهم تكمن خُدعةٌ رياضية قد تُغرق الجريء في بحرٍ عميق من الخسائر.
جذور الفكرة: من ربوع فرنسا إلى شاشاتنا
تعود تسمية “مارتينجال” إلى فرنسا في القرن الثامن عشر، حيث روّج لها هواة الرهان على ألعاب الحظ البسيطة كـ روليت والطاولة. الفكرة ببساطة: ضاعف رهاناتك بعد كل خسارة، حتى تسترد في نهاية المطاف ما خسرت بالإضافة إلى ربح يعادل الرهان الابتدائي. على الورق، تبدو مضمونة: ستخسر عدة جولات، لكنها حتمًا ستفوز أخيرًا وتُعوض كل خسائرك.
«المارتينجال يشبه من يمضي في درب مظلم بإضاءة ومصباح صغير؛ كلما تعثّر، يزيد شدة ضوءه، مع يقينه أنه سيصل في النهاية»، كما وصفها موقع “عربي ون” في مقالته الإعلامية المميزة.
آلية العمل: المضاعفة بحساب
-
ابدأ برهان واحد (مثلاً 1 وحدة نقدية) على حدثٍ ذي احتمال قريبٍ من 50% (كالروليت: أحمر/أسود).
-
إن خسرت الجولة، ضاعف الرهان للعبة التالية (2 وحدة).
-
استمر في المضاعفة (4، 8، 16، …) بعد كل خسارة.
-
عند الفوز، ستغطي كل ما خسرت وتربح بالضبط وحدتك الأولى. ثم عد للرهان الابتدائي واستأنف.
مثال: تبدأ بــ1× ◀ خسارة
2× ◀ خسارة
4× ◀ خسارة
8× ◀ فوز → تابعة الخسائر (1+2+4) = 7 تعويضًا + 1 ربح = 8
الوجه الرياضي: مخاطرة مضاعفة
رغم بساطة الفكرة، تكمن المخاطرة في سلسلة خسائر طويلة. إن وصل عدد الخسائر المتتالية إلى ، فإنك تحتاج إلى رهان وحدة. مع حدود الطاولة (Table Limit) والمخزون المالي المحدود، يصبح احتمال الانهيار حقيقيًّا:
-
الاحتمال خسائر متتالية في روليت يساوي (روليت أوروبي).
-
لحظة خسارةٍ متراكمةٍ كافية، قد تصل للمبلغ الأقصى المسموح به فتُحرَم حتى من استرداد خسائرك السابقة.
بهذه الحيلة، يقف المستثمر الهاوي على حافة خانقة: احتمال الربح ضئيل يرافقه احتمال الخسارة بانفجارٍ مالي.
المزايا والعيوب: بين الإغراء والحائط
مزايا
-
شعور شبه مؤكد بالربح في الجولات المبكرة.
-
سهولة التطبيق: لا حاجة لحسابات معقدة.
-
يجذب الهواة الجدد لطبيعته البديهية.
عيوب
-
حاجة لمخزون مالي ضخم لاستيعاب سلسلة خسائر ممتدة.
-
حدود الطاولة: قد تمنعك القوانين في الكازينو من الاستمرار بالمضاعفة عند رقمٍ معيّن.
-
التوقع الرياضي السلبي: متوسط العائد (EV) يظل سلبيًا بسبب الهامش (House Edge).
-
قد تؤدي سلسلات الخسارة إلى إفلاس سريع، إذ تنمو الخسائر أسّيًا.
من الكازينو إلى البورصة: امتدادات مرنة
في عالم التداول والميتافاعلين (Meta-traders)، حاول بعض المستثمرين تطبيق مارتينجال على العملات والأسهم، معتقدين أن تصحيح السعر يحتم وقوع ربح قبل انتهاء المضاعفات. ورغم بعض القصص الناجحة لأول بضع مراحل، سارع كثيرون إلى إعلان إفلاسهم عندما أجبرت السوق الضريبية أو طارئة مالية غير متوقعة على إغلاق المراكز.
خلاصةٌ نقية: ضريبة الطموح
تُذكّرنا استراتيجية مارتينجال بأن الطموح، حين يلتقي الجشع، قد يؤدي إلى خلاصٍ ظاهريٍّ ومأساةٍ خفية. كحال الصقر الذي يطير عاليًا بحثًا عن فريسة، لن يعود أحيانًا من دون جناحين في مواجهة عاصفةٍ ماليةٍ مفاجئة. لذا، قبل أن تُطلق العنان للمضاعفة، تذكّر:
-
لا توجد استراتيجية سحرية تكسِب دائمًا.
-
إدارة رأس المال والحدود العقلانية تصنع فارقًا بين البقاء والرُقاد.
-
احرص على تحديد سقف خسارة مسبقًا؛ فهذه هي الدرع الحقيقي في معترك الربح والخسارة.
ورغم بريق الوعد، تبقى المارتينجال رقصة محفوفة بالمخاطر، لا تليق إلا بمن يملك الجسارة والمال الكافي لتحمّل تبعات سقوطه.